سورة الطور - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الطور)


        


{فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18)}
وقوله: {فاكهين} يزيد في ذلك لأن المتنعم قد يكون آثار التنعم على ظاهره وقلبه مشغول، فلما قال: {فاكهين} يدل على غاية الطيبة، وقوله: {بِمَا ءاتاهم رَبُّهُمْ} يفيد زيادة في ذلك، لأن الفكه قد يكون خسيس النفس فيسره أدنى شيء، ويفرح بأقل سبب، فقال: {فاكهين} لا لدنو هممهم بل لعلو نعمهم حيث هي من عند ربهم.
وقوله تعالى: {ووقاهم رَبُّهُمْ عَذَابَ الجحيم} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون المراد أنهم فاكهون بأمرين أحدهما: بما آتاهم، والثاني: بأنه وقاهم وثانيهما: أن يكون ذلك جملة أخرى منسوقة على الجملة الأولى، كأنه بيّن أنه أدخلهم جنّات ونعيماً ووقاهم عذاب الجحيم.


{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)}
فيه بيان أسباب التنعيم على الترتيب، فأول ما يكون المسكن وهو الجنّات ثم الأكل والشرب، ثم الفرش والبسط ثم الأزواج، فهذه أمور أربعة ذكرها الله على الترتيب، وذكر في كل واحد منها ما يدل على كماله قوله: {جنات} إشارة إلى المسكن والمسكن للجسم ضروري وهو المكان، فقال: {فاكهين} لأن مكان التنعيم قد ينتغص بأمور وبين سبب الفكاهة وعلو المرتبة يكون مما آتاهم الله، وقد ذكرنا هذا، وأما في الأكل والشرب والإذن المطلق فترك ذكر المأكول والمشروب لتنوعهما وكثرتهما، وقوله تعالى: {هَنِيئَاً} إشارة إلى خلوهما عما يكون فيها من المفاسد في الدنيا، منها أن الآكل يخاف من المرض فلا يهنأ له الطعام، ومنها أنه يخاف النفاد فلا يسخو بالأكل والكل منتف في الجنة فلا مرض ولا انقطاع، فإن كل أحد عنده ما يفضل عنه، ولا إثم ولا تعب في تحصيله، فإن الإنسان في الدنيا ربما يترك لذة الأكل لما فيه من تهيئة المأكول بالطبخ والتحصيل من التعب أو المنة أو ما فيه من قضاء الحاجة واستقذار ما فيه، فلا يتهنأ، وكل ذلك في الجنة منتف. وقوله تعالى: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} إشارة إلى أنه تعالى يقول أي مع أني ربكم وخالقكم وأدخلتكم بفضلي الجنة، وإنما منتي عليكم في الدنيا إذ هديتكم ووفقتكم للأعمال الصالحة كما قال تعالى: {بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ للإيمان} [الحجرات: 17].
وأما اليوم فلا من عليكم لأن هذا إنجاز الوعد فإن قيل قال في حق الكفار {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التحريم: 7] وقال في حق المؤمنين {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فهل بينهما فرق؟ قلت بينهما بون عظيم من وجوه:
الأول: كلمة {إِنَّمَا} للحصر أي لا تجزون إلا ذلك، ولم يذكر هذا في حق المؤمن فإنه يجزيه أضعاف ما عمل ويزيده من فضله، وحينئذ إن كان يمن الله على عبده فيمن بذلك لا بالأكل والشرب الثاني: قال هنا {بِمَا كُنتُمْ} وقال هناك {مَّا كُنتُمْ} أي تجزون عين أعمالكم إشارة إلى المبالغة في المماثلة كما تقول هذا عين ما عملت وقد تقدم بيان هذا وقال في حق المؤمن {بِمَا كُنتُمْ} كأن ذلك أمر ثابت مستمر بعملكم هذا الثالث: ذكر الجزاء هناك وقال هاهنا {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} لأن الجزاء ينبئ عن الانقطاع فإن من أحسن إلى أحد فأتى بجزائه لا يتوقع المحسن منه شيئاً آخر.
فإن قيل فالله تعالى قال في مواضع {جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأحقاف: 14] في الثواب، نقول في تلك المواضع لما لم يخاطب المجزي لم يقل تجزى وإنما أتى بما يفيد العالم بالدوام وعدم الانقطاع.
وأما في السرر فذكر أموراً أيضاً أحدها: الاتكاء فإنه هيئة تختص بالمنعم، والفارغ الذي لا كلفة عليه ولا تكلف لديه فإن من يكون عنده من يتكلف له يجلس له ولا يتكئ عنده، ومن يكون في مهم لا يتفرغ للاتكاء فالهيئة دليل خير. ثم الجمع يحتمل أمرين أحدهما: أن يكون لكل واحد سرر وهو الظاهر لأن قوله: {مَصْفُوفَةٌ} يدل على أنها لواحد لأن سرر الكل لا تكون في موضع واحد مصطفة ولفظ السرير فيه حروف السرور بخلاف التخت وغيره، وقوله: {مَصْفُوفَةٌ} دليل على أنه لمجرد العظم فإنها لو كات متفرقة لقيل في كل موضع واحد ليتكئ عليه صاحبه إذا حضر في هذا الموضع، وقوله تعالى: {وزوجناهم} إشارة إلى النعمة الرابعة وفيها أيضاً ما يدل على كمال الحال من وجوه:
أحدها: أنه تعالى هو المزوج وهو يتولى الطرفين يزوج عباده بأمانه ومن يكون كذلك لا يفعل إلا ما فيه راحة العباد والإماء ثانيها: قال: {وزوجناهم بِحُورٍ} ولم يقل وزوجناهم حوراً مع أن لفظة التزويج يتعدى فعله إلى مفعولين بغير حرف يقال زوجتكها قال تعالى: {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً زوجناكها} [الأحزاب: 37] وذلك إشارة إلى أن المنفعة في التزويج لهم وإنما زوجوا للذتهم بالحور لا للذة الحور بهم وذلك لأن المفعول بغير حرف يعلق الفعل به كذلك التزويج تعلق بهم ثم بالحور، لأن ذلك بمعنى جعلنا ازدواجهم بهذا الطريق وهو الحور ثالثها: عدم الاقتصار على الزوجات بل وصفهن بالحسن واختار الأحسن من الأحسن، فإن أحسن ما في صورة الآدمي وجهه وأحسن ما في الوجه العين، ولأن الحور والعين يدلان على حسن المزاج في الأعضاء ووفرة المادة في الأرواح، أما حسن المزاج فعلامته الحور، وأما وفرة الروح فإن سعة العين بسبب كثرة الروح المصوبة إليها، فإن قيل قوله: {زوجناهم} ذكره بفعل ماض و{مُتَّكِئِينَ} حال ولم يسبق ذكر فعل ماض يعطف عليه ذلك وعطف الماضي على الماضي والمستقبل على المستقبل أحسن، نقول الجواب من وجوه اثنان لفظيان ومعنوي أحدها: أن ذلك حسن في كثير من المواضع، تقول جاء زيد ويجيء عمراً وخرج زيد ثانيها: أن قوله تعالى: {إِنَّ المتقين فِي جنات وَنَعِيمٍ} تقديره أدخلناهم في جنات، وذلك لأن الكلام على تقدير أن في اليوم الذي يدع الكافر في النار في ذلك الوقت يكون المؤمن قد أدخل مكانه، فكأنه تعالى يقول في يوم يدعون إلى نار جهنم إن المتقين كائنون في جنّات والثالث: المعنوي وهو أنه تعالى ذكر مجزاة الحكم، فهو في هذا اليوم زوج عباده حوراً عيناً، وهن منتظرات الزفاف يوم الآزفة.


{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)}
ثم قال تعالى: {والذين ءامَنُواْ واتبعتهم ذُرّيَّتُهُم بإيمان أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ} وفيه لطائف الأولى: أن شفقة الأبوة كما هي في الدنيا متوفرة كذلك في الآخرة، ولهذا طيب الله تعالى قلوب عباده بأنه لا يولههم بأولادهم بل يجمع بينهم، فإن قيل قد ذكرت في تفسير بعض الآيات أن الله تعالى يسلي الآباء عن الأبناء وبالعكس، ولا يتذكر الأب الذي هو من أهل الجنة الابن الذي هو من أهل النار، نقول الولد الصغير وجد في والده الأبوة الحسنة ولم يوجد لها معارض ولهذا ألحق الله الولد بالوالد في الإسلام في دار الدنيا عند الصغر وإذا كبر استقل، فإن كفر ينسب إلى غير أبيه، وذلك لأن الإسلام للمسلمين كالأب ولهذا قال تعالى: {إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] جمع أخ بمعنى أخوة الولادة والإخوان جمعه بمعنى أخوة الصداقة والمحبة فإذن الكفر من حيث الحس والعرف أب، فإن خالف دينه دين أبيه صار له من حيث الشرع أب آخر، وفيه أرشاد الآباء إلى أن لا يشغلهم شيء عن الشفقة على الولد فيكون من القبيح الفاحش أن يشتغل الإنسان بالتفرج في البستان مع الأحبة الإخوان وعن تحصيل قوت الولدان، وكيف لا يشتغل أهل الجنة بما في الجنة من الحور العين عن أولادهم حتى ذكروهم فأراح الله قلوبهم بقوله: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذرياتهم} وإذا كان كذلك فما ظنك بالفاسق الذي يبذر ماله في الحرام ويترك أولاده يتكففون وجوه اللئام والكرام، نعوذ بالله منه وهذا يدل على أن من يورث أولاده مالاً حلالاً يكتب له به صدقة، ولهذا لم يجوز للمريض التصرف في أكثر من الثلث.
اللطيفة الثانية: قوله تعالى: {واتبعتهم ذُرّيَّتُهُم} فهذا ينبغي أن يكون دليلاً على أنا في الآخرة نلحق بهم لأن في دار الدنيا مراعاة الأسباب أكثر. ولهذا لم يجر الله عادته على أن يقدم بين يدي الإنسان طعاماً من السماء، فما يتسبب له بالزراعة والطحن والعجن لا يأكله، وفي الآخرة يؤتيه ذلك من غير سعي جزاء له على ما سعى له من قبل فينبغي أن يجعل ذلك دليلاً ظاهراً على أن الله تعالى يلحق به ولده وإن لم يعمل عملاً صالحاً كما أتبعه، وإن لم يشهد ولم يعتقد شيئاً.
اللطيفة الثالثة: في قوله تعالى: {بإيمان} فإن الله تعالى أتبع الولد الوالدين في الإيمان ولم يتبعه أباه في الكفر بدليل أن من أسلم من الكفار حكم بإسلام أولاده، ومن ارتد من المسلمين والعياذ بالله لا يحكم بكفر ولده.
اللطيفة الرابعة: قال في الدنيا {اتبعناهم} وقال في الآخرة {أَلْحَقْنَا بِهِمْ} وذلك لأن في الدنيا لا يدرك الصغير التبع مساوات المتبوع، وإنما يكون هو تبعاً والأب أصلاً لفضل الساعي على غير الساعي، وأما في الآخرة فإذا ألحق الله بفضله ولده به جعل له من الدرجة مثل ما لأبيه.
اللطيفة الخامسة: في قوله تعالى: {وَمَا ألتناهم} تطييب لقلبهم وإزالة وهم المتوهم أن ثواب عمل الأب يوزع على الوالد والولد بل للوالد أجر عمله بفضل السعي ولأولاده مثل ذلك فضلاً من الله ورحمة.
اللطيفة السادسة: في قوله تعالى: {مّنْ عَمَلِهِم} ولم يقل من أجرهم، وذلك لأن قوله تعالى: {وَمَا ألتناهم مّنْ عَمَلِهِم} دليل على بقاء عملهم كما كان والأجر على العمل مع الزيادة فيكون فيه الإشارة إلى بقاء العمل الذي له الأجر الكبير الزائد عليه العظيم العائد إليه، ولو قال: ما ألتناهم من أجرهم، لكان ذلك حاصلاً بأدنى شيء لأن كل ما يعطي الله عبده على عمله فهو أجر كامل ولأنه لو قال تعالى ما ألتناهم من أجرهم، كان مع ذلك يحتمل أن يقال إن الله تعالى تفضل عليه بالأجر الكامل على العمل الناقص، وأعطاه الأجر الجزيل، مع أن عمله كان له ولولده جميعاً، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله تعالى: {والذين ءامَنُواْ} عطف على ماذا؟ نقول على قوله: {إِنَّ المتقين} [الطور: 17].
المسألة الثانية: إذا كان كذلك فلم أعاد لفظ {الذين آمنواْ} وكان المقصود يحصل بقوله تعالى: {وألحقنا بهم ذرياتهم} بعد قوله: {وزوجناهم} [الطور: 20] وكان يصير التقدير وزوجناهم وألحقنا بهم؟ نقول فيه فائدة وهو أن المتقين هم الذين اتقوا الشرك والمعصية وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقال هاهنا {الذين آمنواْ} أي بوجود الإيمان يصير ولده من أهل الجنة، ثم إن ارتكب الأب كبيرة أو صغيرة على صغيرة لا يعاقب به ولده بل الوالد وربما يدخل الجنة الابن قبل الأب، وفيه لطيفة معنوية، وهو أنه ورد في الأخبار أن الولد الصغير يشفع لأبيه وذلك إشارة إلى الجزاء.
المسألة الثالثة: هل يجوز غير ذلك؟ نقول نعم يجوز أن يكون قوله تعالى: {والذين ءامَنُواْ} عطفاً على {بِحُورٍ عِينٍ} [الطور: 20] تقديره: زوجناهم بحور عين، أي قرناهم بهن، وبالذين آمنوا، إشارة إلى قوله تعالى: {إِخْوَانًا على سُرُرٍ متقابلين} [الحجر: 47] أي جمعنا شملهم بالأزواج والإخوان والأولاد بقوله تعالى: {وأتبعناهم} وهذا الوجه ذكره الزمخشري والأول أحسن وأصح، فإن قيل كيف يصح على هذا الوجه الإخبار بلفظ الماضي مع أنه سبحانه وتعالى بعد ما قرن بينهم؟ قلنا صح في وزوجناهم على ما ذكر الله تعالى من تزويجهن منا من يوم خلقهن وإن تأخر زمان الاقتران.
المسألة الرابعة: قرئ {ذرياتهم} في الموضعين بالجمع وذريتهم فيهما بالفرد، وقرئ في الأول {ذرياتهم} وفي الثانية {ذُرّيَّتُهُم} فهل للثالث وجه؟ نقول نعم معنوي لا لفظي وذلك لأن المؤمن تتبعه ذرياته في الإيمان، وإن لم توجد على معنى أنه لو وجد له ألف ولد لكانوا أتباعه في الإيمان حكماً، وأما الإلحاق فلا يكون حكماً إنما هو حقيقة وذلك في الموجود فالتابع أكثر من الملحوق فجمع في الأول وأفرد الثاني.
المسألة الخامسة: ما الفائدة في تنكير الإيمان في قوله: {وأتبعناهم ذُرياتهم بِإيمان}؟ نقول هو إما التخصيص أو التنكير كأنه يقول: أتبعناهم ذرياتهم بإيمان مخلص كامل أو يقول أتبعناهم بإيمان ما أي شيء منه فإن الإيمان كاملاً لا يوجد في الولد بدليل أن من له ولد صغير حكم بإيمانه فإذا بلغ وصرّح بالكفر وأنكر التبعية قيل بأنه لا يكون مرتداً وتبين بقول إنه لم يتبع وقيل بأنه يكون مرتداً لأنه كفر بعد ما حكم بإيمانه كالمسلم الأصلي فإذن بهذا الخلاف تبين أن إيمانه يقوى وهذان الوجهان ذكرهما الزمخشري، ويحتمل أن يكون المراد غير هذا وهو أن يكون التنوين للعوض عن المضاف إليه كما في قوله تعالى: {بَعْضَهُم بِبَعْضٍ} [البقرة: 251] وقوله تعالى: {وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى} [النساء: 95] وبيانه هو أن التقدير أتبعناهم ذرياتهم بإيمان أي بسبب إيمانهم لأن الاتباع ليس بإيمان كيف كان وممن كان، وإنما هو إيمان الآباء لكن الإضافة تنبئ عن تقييد وعدم كون الإيمان إيماناً على الإطلاق، فإن قول القائل ماء الشجر وماء الرمان يصح وإطلاق اسم الماء من غير إضافة لا يصح فقوله: {بإيمان} يوهم أنه إيمان مضاف إليهم، كما قال تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمانهم لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} [غافر: 85] حيث أثبت الإيمان المضاف ولم يكن إيماناً، فقطع الإضافة مع إرادتها ليعلم أنه إيمان صحيح وعوض التنوين ليعلم أنه لا يوجب الأمان في الدنيا إلا إيمان الآباء وهذا وجه حسن.
ثم قال تعالى: {كُلُّ امرئ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} قال الواحدي: هذا عود إلى ذكر أهل النار فإنهم مرتهنون في النار، وأما المؤمن فلا يكون مرتهناً قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أصحاب اليمين} [المدثر: 38، 39] وهو قول مجاهد وقال الزمخشري {كُلُّ امرئ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} عام في كل أحد مرهون عند الله بالكسب فإن كسب خيراً فك رقبته وإلا أربق بالرهن والذي يظهر منه أنه عام في حق كل أحد، وفي الآية وجه آخر وهو أن يكون الرهين فعيلاً بمعنى الفاعل، فيكون المعنى، والله أعلم كل امرئ بما كسب راهن أي دائم، إن أحسن ففي الجنة مؤبداً، وإن أساء ففي النار مخلداً، وقد ذكرنا أن في الدنيا دوام الأعمال بدوام الأعيان فإن العرض لا يبقى إلا في جوهر ولا يوجد إلا فيه، وفي الآخرة دوام الأعيان بدوام الأعمال فإن الله يبقي أعمالهم لكونها عند الله تعالى من الباقيات الصالحات وما عند الله باق والباقي يبقى مع عامله.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8